من هي أمي ؟تساءل عدةََ مراتٍ لعل أحدا ًيجيه،لكنه لم يحصل على الإجابة التي أرادها حينها ،فكان مجرد طفلٍ إستيقظ ذات يومٍ يبكي...فلم تأت أمه،انتظرها كي تهرع إليه وتقبله ..لكنها لم تظهر،"أبي أين أمي؟" سأل والده الذي لم يجبه بكلمةٍ تريحه ،فظل يبكي لعل أمه تسمع بكاءه ، وذات يومٍ أحس بذراعين تحيطان به بكل حنان.رفع رأسه ظاناً أنها أمه ..لكنها كانت امرأة غريبة..انتفض وجرى بعيداً عنها ،وراح يختبأ كلما رآها تقترب ،ولكنه سرعانما رأى فيها مالم يره فيها أول مرة.رأى حباً وحناناً، صارا ظلين لبعضهما على الرغم من أنها لا تتكلم العربية ،إلا أنهما تخاطبا بلغةٍ لا يعرفها البشر العاديون ،ولا يتكلمها أي أحدٍ.. تخاطبا بلغة القلوب .ربما هوعوضها عن حنان الأمومة ، إلا أنها بالتأكيد عوضته عن حنان الأم الذي ضاع منه ذات يوم فجأةً.ولكن حكم عليه القدر بقسوة مرة أخرى بأن يفقد أماً ثانية .تعلق بأطراف ثوبها ،بكى..توسلها أن لا ترحل ، "ماما"كانت هي الكلمة الوحيدة التي كان يناديها بها تساءل عن سبب رحيلها المفاجيء ، وما لبث أن عرف أن زواج والده هو السبب .كم كان صعباً عليه أن يتقبل كونها مجرد امرأة جاءت لتربيته مؤقتا ،ريثما يجد والده زوجة. تزوج والده... لكن أي امرأةٍ تزوج ؟؟!
اااه وحده يعلم كيف عاملته، حتى أولادها علمتهم أن يكرهوه ، أن يحتقروه ويتجاهلوه كونه أخاهم الأكبر ، كانوا صغاراً فلم يعوا معنى أن يكرهوا أخاهم .لكن كم كان صعباً عليه أن يعيش وحيداً في منزلٍ مليء بالناس ، وسط أشخاصٍ كان من المفترض أن يكونوا أسرته..ولكنه لم يشعر وهو صغير كيف يكون فرداٍ من أفراد أسرة ، حتى في المدرسة كانت الدروس التي تتحدث عن الأسرة غريبةً عليه ، لدرجة أنه لم يفهم منها شيء .ذات يومٍ ضاق به الحال ، فهرب من البيت..يبحث عن حضنٍ دافيء في زمن أمسى بارداٍ قاسياً كالجليد.لازالت كلمات عمته تتردد كالصدى في أذنيه،ووجدها أخيراً بعد أن قرع أكثر من باب وسأل أكثر من إنسان ، عن امرأةٍ أصلها من فارس ، وقف ينظر إليها..أهي أمي؟؟تساءل ، لم يعرفها ولكنها شعرت بشيء اتجاهه..وكأنها تعرفه من قبل، سألته عن إسمه ..قال لها والدمع ينهمرمن عينيه،فأسرعت إليه احتضنته وقالت له "مابك يا ولدي ؟"، سألها أهذه أنت؟؟!،ثم جلس معها..حدثها..عاتبها..وشكى لها كل ما يخالج صدره ، وعندما حان الوقت كي يعود إلى البيت ، نظر إليها سألها :"هل سأراك مرةً أخرى؟"، ابتسمت وقبلته طبعاً فأنا أمك.لكن كان الألم الذي يشعر به أكبر من أن توصفه الكلمات ، كان كلما رأى طفلاٍ بين يدي أمه.. ارتجف باكياً، تذكر أماً كان من المفترض أن يكون في حضنها....ماذا تريدون من شاب مثله أن يكون؟ أي حبٍ تريدون منه أن يحمل للناس وهو لم يعرف الحب يوماً؟؟!
أمــــــــي...كانات كلمة تهز قلبه..تقلب كيانه..تُجري دموعه..تجعله يكره العالم ،ويكره كل البشر وهوماذنبه ليعيش بعيداً عن أمه؟ أمٌ حين رحلت ..رحلت معها البسمة ، كم آلمه أن يكون طفلا يرى أمه وكأنها ليست كذلك ، هو يعرف أنها متزوجة ولديها أطفال ، وهو ليس ابنها الوحيد ..لذا لن يستطيع أن يراها وقتما أراد . لكن كم من المرات ياترى بكى..ولم يجد من يضمه؟ وكم مرةٍ شعر بالضيق ولم يجد من يسمعه؟ وحين يكون سعيداً..فلا يجد من لايحتوي سعادته، فصار يبحث عن الحب في كل مكان ، حتى مع وجود أمه..لكن من يملأ الفجوة في قلبه؟ هي نفسها لا تستطيع الآن ملأها ، لأن الزمن أبداً لايعود للوراء ، والجرح لا يندمل ، فمهما بحث هو..وفتش عن قلبٍ يحوي آلامه ، لن يستطيع أن يطفيء لهيب مشاعره أو أن يداوي جرح قلبه . وحدها التي كانت تستطيع ، هي أمه قبل أكثر من عشرين سنة ، بعد طلاقها حين كان يجب أن يكون معها ، لأنها أمه..المخلوقة الوحيدة التي تملأ حياته ، التي ستقف معه لو تخلى عنه كل البشر..لأنها من سطّر الشعراء فيها آلاف الأشعار .؟ هي ملجأ الإنسان المنيع ، والقلب الوحيد الذي يستقبل ويحتوي آلامه..أحزانه..دون أن يتذمر، فكيف به عاش معظم سنوات عمره بعيداً عنها ، وكم من الألم يشعر به حين يتذكر كل لحظةٍ بكى فيها وحيداً؟ حين كان يصرخ في الغرفة..يناديها فلا تسمعه؟ وحين كان يفكر في الماضي الذي سيخبر أولاده به حين يتزوج؟
مـن المسؤل ياترى عن ألمه؟ أهي زوجة أبيه ؟أوأخوته ؟أم هو والده؟؟!
لكن عليه فقط أن يتذكر إن يوماً أحس بالألم...
أنه كما يوجد من لا يهتم لأمره...
هناك من يهتم ...
مثلما يوجد من يتمنى أذيته وألمه...
هناك من يتمنى سعادته وراحته...
كما يوجد من لا يحبه...
يوجد بالتأكيد من يحبه إلى الأبد...
الأحد أغسطس 26, 2007 5:27 pm
